1 - قراءات في ساحة الإعدام
عادَتْ إلَيَّ حَمامَةُ القَلْبِ الّتي سَقطَتْ مِنَ الشُّبّاكِ بَيْنَ تَتابُعِ الطَّلَقاتِ يَوْمَ اسْتَوْقَفَ الجُنْدُ المَدينَة.
وَأَشارَ لي دَمُها يُوَدِّعُني، فَلَمْ أَحْفِلْ،
لَقَدْ بَلِيَتْ عَليَّ مَعاطِفُ الرَّغَباتِ، لا بَرٌّ يُطاوِعُني إلى حَيْفا وَلا بَحْرٌ يُناوِلُني سَفينَة.
- لَمْ يَقْتُلوكِ إذَنْ؟
- لَقَدْ فَعَلوا!
وَلكِنّي أَعودُ إلى دَمي شَبَحًا، أُغادِرُ قاعَةَ الأَسْماءِ كَالمِنْديلِ، أَبْحَثُ عَنْكَ في القَتْلى وَفي الشُّعَراءْ...
لَمْ يَقْتُلوكَ إذَنْ؟
- لَقَدْ فَعَلوا!
أَداروني عَلى جُنْدِ العَدُوِّ كَما تُدارُ الكَأْسُ،
لكِنّي احْتَضَنْتُ ثُمالَتي حَتّى سَقَطْتُ عَلى حُدودِ الغَيْمَةِ السَّوْداءِ،
ثُمَّ صَحَوْتُ، ثُمَّ سَقَطْتُ، ثُمَّ صَحَوْتُ في جَسدٍ يُخافتُ في احْتِمالاتِ الوُجودِ،
أُحِسُّ أشْـياءً تُغادرُني عَلى عَجَلٍ،
وَأنّي شارِعٌ في اللَّيلِ لكِنْ أَخْتَفي إنْ مَرَّ بي أَحَدٌ،
وَلَوْلا الحُزْنُ قُلْتُ بِأنّني شَبَحٌ.
- أَلا تَدْري بِأنَّ اللّهَ ذاكِرَةٌ حَزينَة؟
لا تُفْلِتُ الأَشْجارُ زينَتَها بِلا سَبَبٍ،
وَلا تُعْطي صِغارَ ثِمارِها لِلدّودِ إلّا كَيْ يَراها اللّهْ.
وَالأَنْهارُ تَقْتُلُ ماءَها في البحْرِ مِثْلَ مُخَيَّمِ اليَرْموكِ لِلذِّكرى وَلِلشُّعَراءْ.
فَقَدِّمْ ما تَيَسَّرَ مِنْ أَنينِكَ وَاعْتَصِمْ بِالحُزْنِ فَهُوَ مَسَرَّةُ الشُّعَراءِ، إنَّ مَذابِحَ الأطْفالِ ذاكرَةٌ كَبيْتِ الشِّعْرِ،
عَلِّقْها عَلى عَلَمٍ، عَلى سَفَرٍ، عَلى شَجَرٍ، مُفكِّرَةً وَزينَة.
- أَنا لَيْسَ لي عَلَمٌ، وَلا سَفَرٌ، وَلا شَجَرٌ أُعَلّقُ زينَةَ الأَحْزانِ فيهِ، ولا أَنا شيءٌ سِوى ما يَحْسِبُ السَّجّانُ،
فَاعْتَرِفي بِأنَّكِ مُتِّ، وَانْصَرفي!
سَأكْتُبُ ما تَيَسَّرَ مِنْ عَناوينِ القُبورِ بِدَفتَرِ الأَوْقاتِ، إنَّ القَبْرَ أَشْجى مِنْ مُعَلَّقَةٍ، وَأَبْقى مِنْ مَدينَة.
لَنْ يَعْرِفوا حَيْفا إذا رَجَعوا،
فَكَيْفَ يَدُلّهُمْ شِعْري إذا لَمْ يَنْظُروا في مُعْجَم النَّكَباتِ،
هذي الأََرْضُ لا تَأْتي إلى أَحَدٍ،
وَتَقْتَرِبُ المَنافي في مَساحاتِ الفِراقِ كَأنَّها وَطَنٌ،
وَفي الأَيّامِ تَخْتبئُ المَواعيدُ الّتي تَتَحيَّنُ الأَقْدامَ وَالطُّرُقُ الهَجينَة.
لا بُدَّ مِنْ مَبْكًى لِنَعْرِفَ وَجْهَنا بِالدَّمْعِ،
إنَّ أَصابِعَ الأَيّامِ لا تُبْقي عَلى وَجْهٍ،
فكيْفَ نَعودُ مِنْ سَببِ البُكاءِ إلى مَعارِكِنا، ومِنْ سَبَبِ الرَّحيلِ إلى مَنازِلِنا؟
سَنَقولُ لِلطِّفْلِ الفِلسْطينِيِّ عن سِرِّ اليَراعَةِ في احْتِضانِ النارِ،
وَالطّيْرِ الذي يتعَقَّبُ الصَّيّادَ،
وَالأَرْضِ السَّجينَة.
- وَلَدَتْكَ أُمُّكَ حَيْثُ أَنْتَ، وَهذهِ حَيْفا تَنامُ عَلى وَسامَتِها كَلُؤلُؤَةٍ رَماها البَحْرُ بَيْنَ يَدَيْكَ،
إنَّ السَّبْيَ عارُكَ أَنْتَ، لَيْسَ السَّبْيُ عارَ مَواسِمِ التُّفّاحِ،
فَاصْفَحْ عَنْ مَفاتِنِها، وَخَلِّ الشِّعْرَ يَحْسَبُ أنَّها وَطَنٌ.
- وَطَنٌ يُطِلُّ عَليَّ مِنْ فَرَحِ «الفَلاشا» لا أُريدُهْ.
وَطَنٌ يُطِلُّ عَليَّ مِنْ صَخْرٍ مِنَ القَفْقاسِ، مِنْ عَيْنَيْنِ مِثْلِ الغابَةِ البَيْضاءِ، تَهْرُبُ مِنْهُما البَجَعاتْ، أَثْمَنُ مِنْهُ أَحْزاني،
لِيَمْضِ إلى خَرائطِهِمْ فَإنّي لا أُريدُهْ.
وَطَنٌ يَسيرُ عَلى خُطى السَّجّانِ، يَسْقُطُ في أَقاليمِ الرَّحيلِ بِدونِ إذْني، لا أُريدُهْ.
وَطَنٌ يُناديني بِغَيْرِ اسْمي وَيُطلِقُ حَوْلَ وَجْهي الشّائِعاتِ، أَحَقُّ مِنْهُ قَصيدَتي بِدَمي،
خُذوهُ إلى جَهَنَّمَ، لا أُريدُهْ.
وَطَني، أَنا وَطَني، لَهُمْ بَرٌّ وَلي بَرٌّ، لَهُمْ بَحْرٌ وَلي بَحْرٌ،
لَهُمْ زَمَنٌ سَيَقْتُلُني وَلي زَمَنٌ سَيَحْمِلُني بَعيدُهْ.
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
يا امْرَأةً لِكُلِّ النّاسِ خَلّيني أُزاحِمُ مِثْلَ غَيْري.
فَمَتى وَصَلْتُ إلى سَريرِكِ؟
آخِرُ العُشّاقِ في طَشْقَنْدَ وَالقَوّادُ يَصْرُخُ فَوْقَ ظَهْري:
- ا إهْدَأْ!
بِلادُ اللّهِ أوْسَعُ مِنْ بِلادِكَ، وَالتَّشَرّدُ حينَ تَجْعَلُهُ سِياحِيًا سَتَنْسَى مِنْ سُرورِكَ أيْنَ تَجْري.
- أَدْري،
لِذلِكَ لَسْتُ أَجْري.
وَلِذاكَ سَوْفَ أَعيشُ قُرْبَ مَنِيَّتي وَأُحِبُّ قَهْري.
وَأُباركُ الرّيحَ الّتي كَشَفَتْ ثِيابَ الفارِسِ البَدَوِيِّ وَاسْتَوْلَتْ عَلى بَرّي وَبَحْري.
لَوْلا وُصولُ مَواكِبِ العُشّاقِ مِنْ طَشْقَنْدَ لَمْ أَعْرِفْ بِأنّي كُنْتُ غَيْري.
لَوْلا وُصولُ مَواكبِ العُشّاقِ لَمْ أَعْرِفْ بِأنّي كُنْتُ ذاكِرَةَ التَّسَرّي.
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
يا امْرَأةً لِكُلِّ النّاسِ شُدّيني لِوَصْلِكِ مِنْ عَذاباتي وَخَلّيني بَعيدا.
واصَلْتِني بالغَزْوِ، لمْ أَعرِفْ سِوى ألَمِ العِناقِ، فَأَعْطِني أَلمًا جَديدا.
أَشْكو إلَيْكِ أَبي، يُمَجِّدُ أَبْشَعَ الغَزَواتِ، يُوصيني بِهِمْ وبِحائِطِ المَبْكى، وَيَطْلُبُ أَنْ أُقاتِلَهُمْ وَيَتْرُكُني وَحيدا.
أَشْكو إلَيْكِ أَخي يُلاحِقُ مَوْتَهُ ما بَيْنَ مِحْرَقَةٍ ومِحْرَقَةٍ، وَيَسْتَعْدي اليَهودَ عَلى اليَهودِ، وَحينَما سَقَطَ القِناعُ رَمى إلَيَّ بِموْتِهِ، وَعَدا، وَخَلاّني وَحيدا.
أَشْكو إلَيْكِ يَدي الّتي سَقَطَتْ لِأنَّ السَّيْفَ شاهَدَها، وَأَشْعاري الّتي انْقَلَبَتْ عَلَيّ.
أَشْكو إلَيْكِ دَمي الّذي يَتَبادَلُ النَّظَراتِ مَعْ أَشْباحِ نافِذَتي وَيوشِكُ أنْ يَجودا.
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
أَلْوقْتُ مُلْتَفٌّ عَلى جِذْعِ الخُرافَةِ كَالسُّكوتْ.
تَتَكَرَّرُ الغَزَواتُ وَالسّاحاتُ مِنْ بَدْرٍ إلى بَدْرٍ،
وَبَدْرٌ لا تَفوتْ.
صَنَعوا المَكانَ لِكَيْ أُحِبَّكِ وَالزَّمانَ لِكَيْ أَموتْ.
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
أَهْدَيْتُها شَجَرًا وَأَطْفالاً فَأَهْدَتْني مَشانِقْ.
أَهْدَيْتُها شِعْرًا وَأَعْراسًا فَأَهْدَتْني ثَكالى.
لَوْ كُنْتُ أقْدِرُ أنْ أُفارِقَ، كَيْفَ أَقْدِرُ أنْ أُفارِقْ؟
هَلْ فارَقَتْ يافا الجَنوبَ وَفارَقَتْ حَيْفا الشَّمالا؟
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
طِفْلٌ يُبادِلُني حِكايَتهُ الصَّغيرَةَ بِالبُكاءْ
أَعْطَيْتُهُ طاقِيَّةَ الإخْفاءِ دَلَّتْهُمْ عَلَيْهِ مَلامِحي الثَّكْلى وَرائِحَةُ الدِّماءْ،
أَلْقَى حِكايَتَهُ الصَّغيرَةَ وَاحْتَمى بِمَلابِسي،
أَلأُمُّ أَقْسى الكائِناتِ وَأَظْلَمُ النّاسِ النِّساءْ.
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
مَتى يا سَيِّدَ الأَوْقاتِ تَنْساني وَتَأْخُذُ سَيْفَكَ الخَشَبِيَّ مِنْ صَدْري وَتَبْدَأُ لُعْبَةً أُخْرى؟
تَوَقَّفْ يا بُنَيَّ فَلَسْتُ قاتِلَكَ الوَحيدَ. اذْهَبْ!
صَهيلُ جَوادِكَ الحَجَرِيِّ يَدْعو مِنْ وَراءِ السّورِ،
هذي ساعَةُ التَّعْدادِ، وَالأَحْجارُ لا تَنْسى.
مَتى يا سَيِّدَ الأَوْقاتِ تُدْرِكُ سِرَّ هذا النَّوْمِ في وَضَحِ النَّهارِ،
مَتى سَتُدرِكُ أنَّ هذا المَخْدَعَ الحَجَريَّ لَمْ تَصْنَعْهُ أُمُّكْ...؟
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
عادَتْ إلَيَّ حَمامَةُ القَلْبِ الّتي سَقطَتْ مِنَ الشُّبّاكِ بَيْنَ تَتابُعِ الطَّلَقاتِ يَوْمَ اسْتَوْقَفَ الجُنْدُ المَدينَة.
وَأَشارَ لي دَمُها يُوَدِّعُني، فَلَمْ أَحْفِلْ،
لَقَدْ بَلِيَتْ عَليَّ مَعاطِفُ الرَّغَباتِ، لا بَرٌّ يُطاوِعُني إلى حَيْفا وَلا بَحْرٌ يُناوِلُني سَفينَة.
- لَمْ يَقْتُلوكِ إذَنْ؟
- لَقَدْ فَعَلوا!
وَلكِنّي أَعودُ إلى دَمي شَبَحًا، أُغادِرُ قاعَةَ الأَسْماءِ كَالمِنْديلِ، أَبْحَثُ عَنْكَ في القَتْلى وَفي الشُّعَراءْ...
لَمْ يَقْتُلوكَ إذَنْ؟
- لَقَدْ فَعَلوا!
أَداروني عَلى جُنْدِ العَدُوِّ كَما تُدارُ الكَأْسُ،
لكِنّي احْتَضَنْتُ ثُمالَتي حَتّى سَقَطْتُ عَلى حُدودِ الغَيْمَةِ السَّوْداءِ،
ثُمَّ صَحَوْتُ، ثُمَّ سَقَطْتُ، ثُمَّ صَحَوْتُ في جَسدٍ يُخافتُ في احْتِمالاتِ الوُجودِ،
أُحِسُّ أشْـياءً تُغادرُني عَلى عَجَلٍ،
وَأنّي شارِعٌ في اللَّيلِ لكِنْ أَخْتَفي إنْ مَرَّ بي أَحَدٌ،
وَلَوْلا الحُزْنُ قُلْتُ بِأنّني شَبَحٌ.
- أَلا تَدْري بِأنَّ اللّهَ ذاكِرَةٌ حَزينَة؟
لا تُفْلِتُ الأَشْجارُ زينَتَها بِلا سَبَبٍ،
وَلا تُعْطي صِغارَ ثِمارِها لِلدّودِ إلّا كَيْ يَراها اللّهْ.
وَالأَنْهارُ تَقْتُلُ ماءَها في البحْرِ مِثْلَ مُخَيَّمِ اليَرْموكِ لِلذِّكرى وَلِلشُّعَراءْ.
فَقَدِّمْ ما تَيَسَّرَ مِنْ أَنينِكَ وَاعْتَصِمْ بِالحُزْنِ فَهُوَ مَسَرَّةُ الشُّعَراءِ، إنَّ مَذابِحَ الأطْفالِ ذاكرَةٌ كَبيْتِ الشِّعْرِ،
عَلِّقْها عَلى عَلَمٍ، عَلى سَفَرٍ، عَلى شَجَرٍ، مُفكِّرَةً وَزينَة.
- أَنا لَيْسَ لي عَلَمٌ، وَلا سَفَرٌ، وَلا شَجَرٌ أُعَلّقُ زينَةَ الأَحْزانِ فيهِ، ولا أَنا شيءٌ سِوى ما يَحْسِبُ السَّجّانُ،
فَاعْتَرِفي بِأنَّكِ مُتِّ، وَانْصَرفي!
سَأكْتُبُ ما تَيَسَّرَ مِنْ عَناوينِ القُبورِ بِدَفتَرِ الأَوْقاتِ، إنَّ القَبْرَ أَشْجى مِنْ مُعَلَّقَةٍ، وَأَبْقى مِنْ مَدينَة.
لَنْ يَعْرِفوا حَيْفا إذا رَجَعوا،
فَكَيْفَ يَدُلّهُمْ شِعْري إذا لَمْ يَنْظُروا في مُعْجَم النَّكَباتِ،
هذي الأََرْضُ لا تَأْتي إلى أَحَدٍ،
وَتَقْتَرِبُ المَنافي في مَساحاتِ الفِراقِ كَأنَّها وَطَنٌ،
وَفي الأَيّامِ تَخْتبئُ المَواعيدُ الّتي تَتَحيَّنُ الأَقْدامَ وَالطُّرُقُ الهَجينَة.
لا بُدَّ مِنْ مَبْكًى لِنَعْرِفَ وَجْهَنا بِالدَّمْعِ،
إنَّ أَصابِعَ الأَيّامِ لا تُبْقي عَلى وَجْهٍ،
فكيْفَ نَعودُ مِنْ سَببِ البُكاءِ إلى مَعارِكِنا، ومِنْ سَبَبِ الرَّحيلِ إلى مَنازِلِنا؟
سَنَقولُ لِلطِّفْلِ الفِلسْطينِيِّ عن سِرِّ اليَراعَةِ في احْتِضانِ النارِ،
وَالطّيْرِ الذي يتعَقَّبُ الصَّيّادَ،
وَالأَرْضِ السَّجينَة.
- وَلَدَتْكَ أُمُّكَ حَيْثُ أَنْتَ، وَهذهِ حَيْفا تَنامُ عَلى وَسامَتِها كَلُؤلُؤَةٍ رَماها البَحْرُ بَيْنَ يَدَيْكَ،
إنَّ السَّبْيَ عارُكَ أَنْتَ، لَيْسَ السَّبْيُ عارَ مَواسِمِ التُّفّاحِ،
فَاصْفَحْ عَنْ مَفاتِنِها، وَخَلِّ الشِّعْرَ يَحْسَبُ أنَّها وَطَنٌ.
- وَطَنٌ يُطِلُّ عَليَّ مِنْ فَرَحِ «الفَلاشا» لا أُريدُهْ.
وَطَنٌ يُطِلُّ عَليَّ مِنْ صَخْرٍ مِنَ القَفْقاسِ، مِنْ عَيْنَيْنِ مِثْلِ الغابَةِ البَيْضاءِ، تَهْرُبُ مِنْهُما البَجَعاتْ، أَثْمَنُ مِنْهُ أَحْزاني،
لِيَمْضِ إلى خَرائطِهِمْ فَإنّي لا أُريدُهْ.
وَطَنٌ يَسيرُ عَلى خُطى السَّجّانِ، يَسْقُطُ في أَقاليمِ الرَّحيلِ بِدونِ إذْني، لا أُريدُهْ.
وَطَنٌ يُناديني بِغَيْرِ اسْمي وَيُطلِقُ حَوْلَ وَجْهي الشّائِعاتِ، أَحَقُّ مِنْهُ قَصيدَتي بِدَمي،
خُذوهُ إلى جَهَنَّمَ، لا أُريدُهْ.
وَطَني، أَنا وَطَني، لَهُمْ بَرٌّ وَلي بَرٌّ، لَهُمْ بَحْرٌ وَلي بَحْرٌ،
لَهُمْ زَمَنٌ سَيَقْتُلُني وَلي زَمَنٌ سَيَحْمِلُني بَعيدُهْ.
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
يا امْرَأةً لِكُلِّ النّاسِ خَلّيني أُزاحِمُ مِثْلَ غَيْري.
فَمَتى وَصَلْتُ إلى سَريرِكِ؟
آخِرُ العُشّاقِ في طَشْقَنْدَ وَالقَوّادُ يَصْرُخُ فَوْقَ ظَهْري:
- ا إهْدَأْ!
بِلادُ اللّهِ أوْسَعُ مِنْ بِلادِكَ، وَالتَّشَرّدُ حينَ تَجْعَلُهُ سِياحِيًا سَتَنْسَى مِنْ سُرورِكَ أيْنَ تَجْري.
- أَدْري،
لِذلِكَ لَسْتُ أَجْري.
وَلِذاكَ سَوْفَ أَعيشُ قُرْبَ مَنِيَّتي وَأُحِبُّ قَهْري.
وَأُباركُ الرّيحَ الّتي كَشَفَتْ ثِيابَ الفارِسِ البَدَوِيِّ وَاسْتَوْلَتْ عَلى بَرّي وَبَحْري.
لَوْلا وُصولُ مَواكِبِ العُشّاقِ مِنْ طَشْقَنْدَ لَمْ أَعْرِفْ بِأنّي كُنْتُ غَيْري.
لَوْلا وُصولُ مَواكبِ العُشّاقِ لَمْ أَعْرِفْ بِأنّي كُنْتُ ذاكِرَةَ التَّسَرّي.
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
يا امْرَأةً لِكُلِّ النّاسِ شُدّيني لِوَصْلِكِ مِنْ عَذاباتي وَخَلّيني بَعيدا.
واصَلْتِني بالغَزْوِ، لمْ أَعرِفْ سِوى ألَمِ العِناقِ، فَأَعْطِني أَلمًا جَديدا.
أَشْكو إلَيْكِ أَبي، يُمَجِّدُ أَبْشَعَ الغَزَواتِ، يُوصيني بِهِمْ وبِحائِطِ المَبْكى، وَيَطْلُبُ أَنْ أُقاتِلَهُمْ وَيَتْرُكُني وَحيدا.
أَشْكو إلَيْكِ أَخي يُلاحِقُ مَوْتَهُ ما بَيْنَ مِحْرَقَةٍ ومِحْرَقَةٍ، وَيَسْتَعْدي اليَهودَ عَلى اليَهودِ، وَحينَما سَقَطَ القِناعُ رَمى إلَيَّ بِموْتِهِ، وَعَدا، وَخَلاّني وَحيدا.
أَشْكو إلَيْكِ يَدي الّتي سَقَطَتْ لِأنَّ السَّيْفَ شاهَدَها، وَأَشْعاري الّتي انْقَلَبَتْ عَلَيّ.
أَشْكو إلَيْكِ دَمي الّذي يَتَبادَلُ النَّظَراتِ مَعْ أَشْباحِ نافِذَتي وَيوشِكُ أنْ يَجودا.
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
أَلْوقْتُ مُلْتَفٌّ عَلى جِذْعِ الخُرافَةِ كَالسُّكوتْ.
تَتَكَرَّرُ الغَزَواتُ وَالسّاحاتُ مِنْ بَدْرٍ إلى بَدْرٍ،
وَبَدْرٌ لا تَفوتْ.
صَنَعوا المَكانَ لِكَيْ أُحِبَّكِ وَالزَّمانَ لِكَيْ أَموتْ.
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
أَهْدَيْتُها شَجَرًا وَأَطْفالاً فَأَهْدَتْني مَشانِقْ.
أَهْدَيْتُها شِعْرًا وَأَعْراسًا فَأَهْدَتْني ثَكالى.
لَوْ كُنْتُ أقْدِرُ أنْ أُفارِقَ، كَيْفَ أَقْدِرُ أنْ أُفارِقْ؟
هَلْ فارَقَتْ يافا الجَنوبَ وَفارَقَتْ حَيْفا الشَّمالا؟
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
طِفْلٌ يُبادِلُني حِكايَتهُ الصَّغيرَةَ بِالبُكاءْ
أَعْطَيْتُهُ طاقِيَّةَ الإخْفاءِ دَلَّتْهُمْ عَلَيْهِ مَلامِحي الثَّكْلى وَرائِحَةُ الدِّماءْ،
أَلْقَى حِكايَتَهُ الصَّغيرَةَ وَاحْتَمى بِمَلابِسي،
أَلأُمُّ أَقْسى الكائِناتِ وَأَظْلَمُ النّاسِ النِّساءْ.
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...
مَتى يا سَيِّدَ الأَوْقاتِ تَنْساني وَتَأْخُذُ سَيْفَكَ الخَشَبِيَّ مِنْ صَدْري وَتَبْدَأُ لُعْبَةً أُخْرى؟
تَوَقَّفْ يا بُنَيَّ فَلَسْتُ قاتِلَكَ الوَحيدَ. اذْهَبْ!
صَهيلُ جَوادِكَ الحَجَرِيِّ يَدْعو مِنْ وَراءِ السّورِ،
هذي ساعَةُ التَّعْدادِ، وَالأَحْجارُ لا تَنْسى.
مَتى يا سَيِّدَ الأَوْقاتِ تُدْرِكُ سِرَّ هذا النَّوْمِ في وَضَحِ النَّهارِ،
مَتى سَتُدرِكُ أنَّ هذا المَخْدَعَ الحَجَريَّ لَمْ تَصْنَعْهُ أُمُّكْ...؟
وَغَدًا سَيَقْتُلُني فَلاشِيٌّ لأنَّ مَلامِحي انْدَفَعَتْ إلى حَمّامِهِ الشَّمْسِيّ...