م ن ت د ى ال ع ش ر ة

أشرقت بحضوركم الأنوار وعمت الفرحة ارجاء الدار، داركم لانها بكم تكون الدار

منتدى العشرة يتمنى لكم مقاما طيبا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

م ن ت د ى ال ع ش ر ة

أشرقت بحضوركم الأنوار وعمت الفرحة ارجاء الدار، داركم لانها بكم تكون الدار

منتدى العشرة يتمنى لكم مقاما طيبا

م ن ت د ى ال ع ش ر ة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
م ن ت د ى ال ع ش ر ة

جمعية مغربية سوسيوثقافية 22 غشت 2007


    مروان أحمد الغفوري/اربعينية ليال لمسة وفاء

    ليلى ناسمي
    ليلى ناسمي
    إدارة عامـة


    الجنس : انثى
    عدد الرسائل : 2322
    العمر : 62
    المكان : تونس العاصمة
    الهوايات : الأدب والشطرنج
    تاريخ التسجيل : 18/06/2007

    بطاقة الشخصية
    مدونة:

    مروان أحمد الغفوري/اربعينية ليال لمسة وفاء Empty مروان أحمد الغفوري/اربعينية ليال لمسة وفاء

    مُساهمة من طرف ليلى ناسمي السبت 9 أغسطس - 4:02

    [size=16]أربعون
    ليال،..
    اليوم الأربعون لسفرِك الأخير.
    قبل أربعين يوماً كان عنوانك الدائم على المسنجر : (أريد أن أرمي بكل المسافات، أنتضي حلمي وأمضي كما نجمٍ منفلت. أبحثُ عن حفنة من تراب تسكنُ بي أو أسكن فيها .. أسميها وطناً)
    وبعد أربعين يوماً ، يغدو العالمُ ضيّقاً مثل خُرم إبرة ، أو كمثل الروح .. كما كنتِ تقولين يا صغيرتي.
    كأنّك لم تسافري، هكذا يبدو العالمُ. وكأننا لم نكُن هُنا، يوماً ، نعُد الشعراء الجيّدين والقصائد الرديئة، ونفترضُ حياةً أكثر عدلاً .. كأنك لم تكوني تسألينني كل يوم : يا أمير الفقراء، حدّثني عن أول الضوء.
    وكأنني لم أكنُ أهربُ إلى آخر الكلام، يا ليال.
    ركضنا ، متعبين كأعمدة الإنارة ، حتى اللحظة الأخيرة، عندما تكسّرت أول مدامع الخريف في عيني داليا، وارتعشتْ أصابع شقيقك القوي، لأول مرّة . لقد تركتِ خلف صورةٍ ، تعرفينها ، مندسة جوار مصحفٍ صغير، كان زوّادتك وأرضاً خضراء على عنقك : ( قرين الروح إليك أسرجتُ قلبي، وألف دربٍ أمدّها لظلك) . وعندما سقط من عنقك، وتوهّجت عيناك بلحظتيهما الأخيرة، اختنق الجميعُ بالوجع، وكنتُ الوحيدَ الذي يصعد معك إلى السماء، ويسلّمك إلى الخلد، كما ينبغي لقرين الروح أن يفعل ، يا ليال.
    إيه يا ليال ..
    من أين آتي الآن إلى أول الأمكِنة؟ وكيف سأتعرّف على ضحكتي القديمة؟ أبدو غريباً بين الناس، فقد نسيتُ كل شيء تقريباً .. وباستثناء مهزومٍ يسقط في الكلام، بالإمكان القول أنه أنا ، فلا شيء آخر يقول أنني أنا.
    ولا شيء آخر يمكن أن يكون أنتِ، كذلك.
    في واحدٍ من أسفارك إلى أمريكا ، كنتُ أعد أيّامي المهجورة، وأكتبُ على صدري قليلاً من الشعر، في انتظار نبوءة عينيك، بالعودة. وفي سفرك الأخير، الشاسع، فشلتُ في أن أعد أيامي. ولكي أستوعِب فكرة أن الحب بالإمكان أن يتناثر ، كمسافرين فقراء في عربة تالفة ، فقد اتجهتُ إلى المسجد. ما زلتُ هُناك، أبحثُ عن معانٍ تشبهك وأتوسّل بالذي تحبّينه، معبودك الأسمى، للذين أحبّهم " الفقراء و الرعيان".
    يا ليال،
    منذ أيّام "مرَقَ " عيد الآُم. وبينما كنّا نتذكرك ونخالطُ أحاديثنا لكي لا يسقطُ أحدُنا في منتصف اليوم ، أمّك كانت الوحيدة التي تنتظر حضورك المادي كالعادة. لم يكن خيال والدك المهدّم قادراً على استيعاب خطئه. فقد قدّم لأمك هدية عليها اسمك : هذه من ليال. جلس على حافة سرير أمّك المريضة، كأنه يقول : ليال تنتظرنا غداً، وأنتِ تعلمين أنّ أمّك لم تكن لتتحدّث معك إلا عن البارحة، دائماً.ابتسمت، أمك ، كما يفعل الحياء في وجوه صبايا الإعدادية. وبلكنتها الفرنسية: خلوها تدخل، بدي شوفا. و .. تكدّست عيناها على باب الغُرفة لوهلة. كنتِ قريبةً جدّاً منها، وغائمة في قلبي .. قلبي يا ليال، هذا المليء بسحابات غبراء، ومطرٍ محترق. هرّبنا أعيننا في اتجاه فراغ سميك يملأ أجسادنا، لننجو من نكسة وشيكة ، وتركناها تقبّل اسمَك وتناجيك بأكثر الألحان نعومة في صوتك : سألوني الناس عنك يا حبيبي، كتبوا المكاتيب وأخدها الهوا بيعز علي غني يا حبيبي، لأول مرة ما بنكون سوا.
    غداً ، بعد صلاة الفجر سالت قدماي حتى البلكونة ..
    قلتُ لنفسي : لو خبّرتني هذه الشجرة الغريبة أنها ليال، سأنفقُ ما تخبّأ من عمري معها.
    ولأني أتذكّر الأشياء بمناطق الظلّ والحلم فيها ، إلا تفاصيل آخر ضحكة عفوية دحرجناها معاً (في اتجاه الليل، كما كنّا نفعل عندما يُقال عنّا : قديسون وحفاة )..فقد كانت أحلامي ، البارحة ، مزيجاً من أشجار تنمو للأسفل، وصبايا غير ناضجات.. وأقدام أغنية ، تعشقينها ، ظلّت تحدّق في خاتمي طوال الحلم. أعلمُ أن أمر الخاتم كان يهمّك ، حتى وأنتِ تستبقين مع الأرانبِ واليمام في أودية الجنة، يا ليال.
    كنتُ، حتى ما قبل أربعين يوماً فقط ، أصحو بيسر. أجد الصباح مكدّساً فوق رأسي مثل حبّات العنب. أمسحُ عنه ما بقي من الظلام وعوادم السيارات، وبذاءات السكارى وزوّار الفجر ..
    وقبل أن أنفخ فيه اسمك، لينفجر في الكون من جديد ، أتداعى إلى صوتِك الغافي تحت قصيدة لم تكتمِل ..
    و .. أمتلئُ بالإنسان.
    الآن، لا شيء بإمكانه أن يكون أنا ، ولا مكان يُعتقد أن ينبجسُ منه صوتُك. ليست متاهتي لوحدي. فحتّى عامل محطة البنزين البدين، في طريقك إلى الجامعة، يروي كل يومٍ عن مكانه الذي دخلته الشمسُ يابسة وغليظة .. وعن أطفاله الذين نقصتهُم حلوى الظهيرة وأنواع ثمينة من الشوكولا .. إنه يشتكي المجهولَ للناس منذ سفرك الأخير، والطويل، ولا يعلم أنّك الآن تتوحّدين بالمطْلَق القديم.
    بكّيييير يا ليال. بكّييير يا أجمل أغاني الرّعيان والمسافرين.
    يمسكني قلبي كلما رأيتُ عاشقين على حافة الشجر، في نهارات العشّاق التي تعرفينها. أتوسّد اسمَك الناعمَ ، وأدعو للنهارِ أن لا يجفّ ، وللمحبّين أن لا يتساقطوا في السماء.
    أربعون فقط، إلى الآن. حزني كرة ثلج تصرّ على الركض في أربعينات قادمة. وعندما يتوقّف حزني ، سأتحوّل إلى كرة نار، كما كنت ليلة سفرِك.
    كم بقي من الطريق بيني وبينك يا ليال؟
    ليالٍ ، أليس كذلك؟
    لقد قمتُ بترميم عاجل لعثرات الطريق. اشعلتُ سيجارةً في فم الوقتِ،و .. ربما سقطتُ من جديد. لا أدري يا ليال، هل أنا الآن هو ذلك الذي أغلقتِ عينيه عندما حاول أن يتحسس تجلّيك الأخير؟
    خلال ساعات النهار، أبدو لي كما لو لم أكن إلا مجازاً لكائنٍ وجِد، فقط، في حقيبة سفَرِك. لماذا قررتُ كتابة مذكراتنا قبل سفرك بثلاث ساعات وحسب؟ هل كُنت أعودُ إلى مكاني الأوّل: آلةٍ معطّلة في بقعة الظلام الكبيرة؟ أم أن السماء كانت تستلّك من صدري أيضاً، وتبدِلُك بدخان حارِق، وأصوات تشبه التأتأة؟
    أبدو سواي، في معظم وقت هذه المدينة. وعندما أرفضُ التواصل مع الناس، فجأة، أسمعُ قدميك تدحرِجان شيئاً ما في صدري .. شيئاً يشبه القصيدة، وبه خجلٌ قديم، لطالما رويناه للناس.
    هل كنت تقولين لي : أنت الناس، وذاكرة الناس ليستْ شيئاً؟
    ( ينتصف الليلُ فأنبشُ في راحتيه طعم المطر وموت الأصدقاء ..) كنتُ أقرأ إعلانك النبوئي هذا، لعامين كاملين على المسنجر.. ثم قرأت لعامين تاليين: لا يفهم حزن الشمعة وهي تذوي إلا ضوؤها.
    والبارحة، يا ليال .. قرأت نصك الأخير منشوراً في مدونة حديثة الإنشاء. كنتِ تدمعين، وتنخلعين عن بشريتك إلى أصلك السماوي. وقعت عيني على أول السطر، ففرّت الدموع من بين أصابعي. صرختُ : ليااال.. إحداهنّ نشرت النص باسمِها،كأنها تبكيك. بيد أني أدركتُ من صوت النص أنك كنتِ فيه منذ أربعين يوماً ، وأنها إشارتك الأخيرة لي خبّأتِها عند صديقتِك، في مطوية ورقيّة كانت آخر ما يصدقُ من حدسك تحت السماء،كما صدقتْ حدوسُك كلّها حتى ظنُنتك - في مساء بعيد - تميمةً اخترعها للمحبّين نبيٌّ موجوع .. وانتظرتِ أن أتعثّر بنصّك ،في طريقنا البشري المليء بالقتلة والجياع.. هكذا وجدتُ نصّك النبوءة : ( على مشارف سدرة بعد السماء السابعة ..زهرة أوصدت فجرها البكر،وانحنت قبل أن يغسلها الندى، تركت الكون مقفرا إلا من حروف نكتبها لتقطر الوجود، وتستعيد المدينة أشياءها .. ليال ، أمك تخطر في حزنها ، وعيونها التي تتضور حنينا ما زالت تمارس الصلاة والدمع معا .. لتكابد طقوس رحيلك ، وترتجل صورتك لتلملم نتف الليل ، عن درب قلبها وتنام .. أبوك المكسور كجناحي روحه ، يعجن بالحزن مساءاته ، ويدرج بين أصابعه مسبحة يعدَ بها رمال زمن يخبىء في دنان الوقت أطيافك .. ليال ، عتبات الدار تئن ، والباب الذي كان الصباح يطلع من شقوقه صار كتلة يباس .. والحزن يحرس زوايا جدران .. تهطل دمعا مثل جرف يائس . ليــال قيسك يشرّع للحروف المراثي،يتوكأ تراب القصيد .. ويمدّ ظلال الشوق لحلم تخثّر في قلبه قبل أن يصل .. إلى مدينة كانت تصلي على أعتاب بسمتك ، ليخضرّ خلف خطاك المطر .. نامي يا مطفأة العينين)!
    ليااال ، ما الذي كنتِ تقولينه هُنا ، دون علمي، يا مسرجة العينين؟
    بحقّ الخلْد ، أجيبيني ..


    مروان أحمد الغفوري
    [/size]

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 11 مايو - 5:04