عش السنونو – قصة
بقلم حميد لفته
بقلم حميد لفته
هيمن الحزن والألم على صدري منذ إن سمعت والدي ووالدتي يتداولون في أمر رحيلنا من القرية بصورة نهائية للسكن في المدينة خلاف ما كان حالنا أو حال بعضنا في مغادرة القرية بشكل موسمي طلبا للعمل في المدينة , فعمدت إن اخرج يوميا لأتفقد الأماكن والمواقع الأثيرة على نفسي على ضفة النهر الذي يبدو ملتويا كأفعى يتلوى هادرا ممثلا مزبدا في مواسم الفيضان أو نحيلا متراخيا في أوقات الصيهود , أو حديقة السيد ( صاحب ) المسيجة والمحروسة من قبل ( جارا لله ) القاسي والذي لا تغمض له عين ورغم كل ذلك كنت كالثعلب أبتكر الطرق أنستغل الثغرات وغفلة الحارس لأدلف إلى داخل الحديقة لأقطف قدر المستطاع عددا من الجنبذ الأحمر من شجرة الورد ألجوري الساحرة وسط الحديقة وقطف عدد من التفاحات المتهدلة في أغصانها بغزارة حملها , أو القيلولة تحت ظل شجرة التين العملاقة المجاورة لدار جارنا ( علوان شمسه) استعراض ( الجراد الملون احمر , ازرق , اسود , متعدد الألوان , وكيف كنت اقتنصها لامسك بذيلها من الخلف مقتربا منها بحذر بالغ كي لا تطير ثم اربط ذيلها بخيط رفيع فأرخي لها الخيط لتطير واتبعها راكضا ورائها , أتذوق ( الصميصملله ) من على كتف ( الطبر ) , والتقاط غنوص ( العويّن ) من شجيراته المتشابكة الفروع على طول كتف ( الطبر) وعلى ( فروك ) ألواح الشلب , أهيم في الأرض البور ارض ( سيد عبيد ) المكتظة بالعا قول والطر فاء وأنواع الحشائش مخفية أعشاش ومكامن بيوض وأفراخ الدراج ( الحجل ) متذكرا بألم كيف اخذ مني شرطي كان في مهمة عابرة في قريتنا فرخ الحجل الصغير الذي الفني والفته حيث اخذ يتبعني أينما أذهب وقد كنت أطعمه بمختلف أنواع الحشرات والديدان التي كنت اصطادها لتكون غذاءه المفضل هذا ما أخبرتني به شقيقتي المبروكة(فطومه) والمختصة بتربية الطيور وخصوصا ( الفخته ) حيث كانت تسحق الحبوب ثم تطعم الفاخته من ريقها بوضع منقار الطائر في فمها لتزقه الطعام المهروس , اجلس على المترب لأرقب صوت طيور ( الكَارور ) الخضراء وهي تحلق في السماء عازفة موسيقاها المميزة في مواسم الربيع , أو مترقبا جمال وغرابة ( غريب الجول ) أو ( الهدهد ) في بعض البساتين شبه المهجورة حذرة من كيد الإنسان وغدره , ولا اعرف ماذا يحل بي وكأنني أطير محلقا عندما أشاهد منظر ( الطسلة ) وهي تزغرد وكأنها عروسة الماء تطير كأنها تلامس سطح ماء النهر مستعرضة أجنحتها كأنها كفوف عروس مخضبه بحناء الزفاف , وصدرها الأبيض كالبرقع الذي يغطي وجه العروس عند الزفاف ،منقارها الصارخ الحمرة المفتوح المتلهف لقبلة فارس الأحلام , وأتأمل ( عبد آل هويدي ) البدوي المزارع الغريب الأطوار والذي لم أرى مثله في قريتنا أو القرى المجاورة فمن طبائعه انه لا يقسم بالله ولا بالأئمة أبدا كعادة أهل القرية بل يقسم بأقرب شجرة أو آلة أو يقسم برأس محدثه مهما عظم الأمر ومهما بلغت خطورته , كان ( أبو عباس ) يحمل مسحاته على متنه وان أراد أن يتغوط يحفر له حفرة صغيرة ثم يقوم بدفن غائطه و يغتسل في اقرب ترعه أو ماء نهر وهذا ما لا يفعله أهل القرية كبارا وصغارا نساءا ورجالا حيث يتغوطون في أحد المنخفضات أو خلف الاكمات والشجيرات تاركين برازهم مكشوفا في الهواء الطلق ) .
أحسست بالخدر بفعل النسيم العليل القادم من النهر وأنا مستلقي تحت ظل شجرة التين العملاقة!!!
( قبلتني والدتي وزغردت ثم قامت بصبغ شفاه ( البنيه ) بأحمر الشفاه وإعادتها للماء ثانية حسب عرف للقرويين آنذاك عندما يصطاد احد أبناءهم سمكة لأول مرة، رميته ((بالمحجال)) فأصابت الحجر في كف يده متهشما إياه إلى شظايا متناثرة فعجب وعجبت لدقة التصويب بمثل هذه الدقة بواسطة ((المحجال)) وهو أمر قد لا يحصل ولا يتكرر أبدا مما قد يتهيأ لي باني شخص مسحور أو مبروك أو رجل صالح إذ طالما أتنبأ بأمور وإحداث ووقائع تحدث لي ولغيري في قابل الأيام والأسابيع أو الأشهر , شعرت بالخدر والذوبان عندما احتك جسمي بجسمها ونحن جالسين تحت ظل الطرفاية واستهوتني مكوراتها فتجرأت على تحسسها بأصابعي بعد إن رمت رأسها على صدري وبدت كالنائمة فلثمت خدها بقبلة ثم اردفتها بثانية وبعدها التقت شفتينا بقبلة طويلة احتضنتني ((بدور)) واحتضنتها وسكرنا في عناق طويل أحسست خلالها إن كل الطيور طارت وكل الديوكة تصيح والبلابل تغرد والبردي يرقص , ولم نصحو إلا على صوت أطلاقة صياد الحجل أستاذ شمخي معلم المدرسة الوحيد, كان فرحي لا يعوض عندما أهادني معلم المدرسة دفترا صغيرا تقديرا لتميزي في الدروس في الصف الثاني الابتدائي , وقد مُنحت لقب فارس الصف مع زميلتي (بخيتّه) التي تشاركني نفس الصف في مدرسة القرية , أصبح طولي مهولا وأخذت أتمايل وكدت اسقط لو لم اتكأ على حائط الصف عندما لبست الحذاء الجلدي الأحمر(الأحذية الشعبية) لأول مرة في حياتي كهدية من الزعيم إلى الطلبة , جبنا القرية بحثا عن بيض الدجاج حيث كلفنا المعلم بشرائه من القرويات بعد إن سلمنا قطعتين من فئة عشرة فلوس كان بعضها احمرا والبعض الآخر فضيا وكانت صرة الملك لازالت على وجه العملة، ليتم إطعامنا بها ضمن خطة التربية آنذاك في إطعام الطلبة بعد الحصة الثانية من الدرس . - مردان , مردان ... عمي ألدنيّه المغرب وانته نايم تحت التينه وهلك يدورون عليك ما تكلي اشبيك ؟؟؟
- بدور بدور بويه جيبي ماي بارد لخوج (جيم معطّشة) من الكوز اشو جنه حلمان مدري تعبان .
وبذلك أفقت مذهولا وفزعا من أحلامي على صوت ( علوان شمسه ) أبو بدور..
- اصملّله , اصملله يبعد عيني هاك هاي أميه اشرب واغسل وجهك أظنك اليوم تعبت وانته ترعى الهوايش بكَاع عبيد ثم ابتسمت محمرة الخدين واستدارت حولي بخفة ماسحة العرق من على جبيني مجففه وجهي من الماء بطارف فوطتها المزكرشة فأتاحت لي فرصة شم عبير نهديها النافرين وودت لو ..ولكن . صدك يمردان راح تمشي عنه، جا بعد ياهو اليسرح وياي وبعد ويامن العب صكَله، و((أمهات)) و((غمّيضه)) ماتكَلي يابعد كَلبي، تتكلم وهي تعالج دمعا مدرارا وألما ظاهرا.
عدل سابقا من قبل م ن ت د ى ال ع ش رة في الإثنين 6 أكتوبر - 5:39 عدل 2 مرات