http://jidar.net/jed/modules.php?name=News&file=article&sid=1230
جدار- الرقة:
الشاعر السوري عبد اللطيف خطاب مات في 20-10-2006 عن 47 عاماَ وهو من مواليد الرقة " التي على الفرات" 1959 كما كان يوقع في آخر قصائده.ترك
ديوانا وحيداً مطبوعاً بعنوان " زول أمير شرقي " الذي أصدرته دار رياض
نجيب الريس – 1990 ، وديوانان مخطوطان الأول" الغرنوق الدنف " الذي منعته
الرقابة السورية بعد أن أحالته الى القيادة القطرية التي أصدرت أمراً
بمنعه و " سفر الرمل ". الذي نشرت جزءاً منه مجلة نزوى العمانية.
طغيان رمل الموت
وقد أتخذ لنفسه الى جانب اسمه اسم " الغرنوق الدنف". كان أحد أبرز الاسماء
في جيل الثمانينات الشعري، فقد دون بصمة خاصة في المشهد الشعري السوري رغم
وجود ديوان وحيد مطبوع له ويندر أن تكتب دراسة عن الشعر السوري في حقبة
الثمانينات وما تلاها دون أن تتناول تجربة هذا الشاعر.
بعد
إنهاء دراسته الجامعية في جامعة حلب عام 1984 وتخرجه من كلية الاقتصاد قسم
ادارة الاعمال، عاد الى الرقة ليعمل محاسباً في مؤسسة الادوية (فارمكس )،
وظل يتردد على حلب ومقاهيها خلال حقبة التسعينات، لتتباعد هذه الزيارت بعد
ذلك.
كان
خلال حياته قارئا نهماً، وحجة بين أصدقائه في المسائل التراثية.. اشتهر
بمرحه بين الاصدقاء وبدهشته الطفولية اتجاه الاشياء.. عاني طوال حياته من
مرض تضيق الشرايين، وممنوعاً بحسب هذا من التدخين والمشروب وبذل أي جهد،
الى أن أجرى عملية قلب مفتوح في دمشق نجحت بشكل جيد واستطاع الزواج بعدها.
هذا الزواج الذي اثمر طفلة إسمها لين.
مات
عبداللطيف ليس بداء القلب بل تحت التخدير أثناء إجراء عملية جراحية في
المثانة في أحد مشافي دمشق . وسيوارى جثمانه في قريته تل السمن بالرقة حيث
ولد اليوم 20-10-2006
من نصوصه :
[b]تحيةً
لموالي الولاية ، لأدعياء الحكم الجمهوري ، للنسيبِ الشعريّ يكتبه أجدادنا
الجاهليون ، في أذهانهم ، للخط المهترئ المحفوظ في سجلاتهم المتداولة ،
كذلك لسلالات الرمل ، وموت " الحِمْري " ، ونبات الزعفران البري ، يمتشقه
الجاهليون لتبرئة حزاز الوجه .
إننا
نتجه إليك ، ونميم شطرانا صوبك ، يا رب الرمل ، ورب الصحراء ، ورب الأرباب
، يا من تستدل النعم كما تسدل العذارى ضفائرهن الانسيابية ، إليك يا رب
الأرباب هذا النشيد الموتي ، تتعاوره ذاكـرة الطفل الذي ما خلقته إلا
لتمجيد الفناء ، ورهبنَةِ الموت ، وإسدال المسح الجنائزيّ على الأوراق
المهشمة ، إليك النشيد ، النشيد ،
النائم
يغفو كالميْتِ ، هكذا رأته البصيرة ، ورشقت حصاها عليه لتغطيسهِ في حِمى
الرمل ، لتأليهه في مدى المسافة ، وتليينهِ للمسحةِ الكفنيةِ الأخيرةِ ،
لاحتضاره ضمن هَدْرِ الجموعِ ، وتنمية شـاهدته القبرية ، ترشُّ عليه
أرملتهُ الترابَ النديَّ ، وتَذبل أشواكه ، لكي تشرع ملذتها الدنيوية ،
واضعة في نسيانها الرجل الغريب الذي مَرَّ ، واحتضنته صخور الرمل العقيمة .
النشيدُ
الرمليُّ لقاعِ الحجرِ ، لأرض صَفْصَفٍ ، لطير البومِ ، لخرائبه الأرضية ،
للعجائز المكتهنات سر الحكايا ، وسر المغامرة الأولية ، لسيل ( قره موخ )
الفياض ، تنبحه الكلاب ، مجتنبة هياج الماء الأحمر الكدِرْ . هَلَّتْ سيول
الطغاة ، مزنرة بالقيود القلبية ، وسلاسل الأوردة ، رافضة شرايينها ،
وقفزت على أنشوطتها الواردة إلى خرائب البوم ، إلى أَكَمَةِ المسافة
العقيمة ، والبعدُ الذاكريُّ عن مرابع الإذْلالِ الطفوليّ ، وانهيار
انبهارات الروح ، قبال تورّم الأشياء ، وتكتل الاقتصاد الوحشي .
أمامكِ
يا ربة الروح ، تنحني الاهلالات إجلالاً ، وتغمسُ خبزها المسيحي في الخمرة
الضحلة ، وتتعشى على خبز الشعير القدسي للديانة المحمدية ، باذلة أحشاءها
لتأليهك ، لصونك اللانهائي أمام غزو الأسنة الحضارية ، واخترامِ النفس
كالغرابيل المائية ، وقلت ، وقلت أمامك يا ربةَ الروح ، نحتضر ونشهق
شهقتنا الاحتضارية .
هذه
العلامات الخبيئة ، دونتها لتمجيد الرمل ، لتمجيد ما لم تمجده النفس ،
وأقبعتها الكمائن الكثبانية ، لشل قدرة حبائل الطغيان ، لكن أحداً منا ما
كان يعاتب أشباحه ، أو يرائي سيادة الآلهة الاصطناعية ، وما أحداً منا كان
يلوث الرمل بيديه المائديتين ، غير أن التباشير جاءتنا بالإنذارات
التابوتية ، لحمل الأجنة على كف المواسم .
اهتدى
إلى المقابر ، والنفس قادته إلى الرمل ، وقادته إلى تباريح أشواقه
الجنائزية ، وربتت عـلى كتفيه ، وأسجت لنفسه أشـباح الرمل ، والكثيب لما
يقفز ، والملائكة على جنبيه تحاسبه على الكلام المباغت ، وحالفه صمته
الحجري ، ونادى النفس أن :
ـ اصمتي ،
فنحن في حضرة الروح .
فتحت
باب المراثي ، وما مجدتك المرائي ، وأثقلت نفسها بالمعاني النقيضة ، وما
برحت تشفي غليل الجنائز ، وما أسرتك بالعيارات الطليقة ،
فأنشأتَ مرثية للمراثي ، ونواحاً يتيماً لشدو اشباعات الكائن ، وشُدَتْ على شاهداتهم الرملية ، قبرك الرملي تقول ،
تقول المــراثي ، وما رثتـتك الروح فانبثق الرمل لتمجيد الأحــجار البابلية ، لشــدو الروح وتمجيــد الصخور.
ـ حلب / الرقة ـ نيسان 1982
من ديوان زول امير شرقي الصادر عن دار رياض نجيب الريس
كيفَ
هي الدولة المقبلة ؟ كيف حال الضحايا الأنيقين مثل الجلالةِ ؟ أما زالوا
حزانى علينا كالميتين القدامى ؟ أفي الوجوهِ الحديثةِ آثارنا ؟ والرمالُ
الأنيقة تسفونا كالرياحِ الخفيفةِ ، وَقْعُ أيدينا عليها ؟ وَقْعُ أسماعنا
المذأبَهْ ،
بغتةً :
استقبلتنا
الجماجمُ ، احتفتنا الجحافل مثل السيول التي تذبح الأرض ، وأنا الذي
رافقتني الأميراتُ المسناتُ ، وأنا الذي رافقتني أميراتُ الجماجمِ ، وأنا
الذي أصلحتُ وضع الأميرةِ على سدة العرشِ ، وأنا الذي باغتّها ضاحكاً
بالعبارات الرسوليهْ :
أنتِ
التي لا تنحنين إلا للفحولةِ ، أنت جمجمة نُحْتُ عليها مثل نوحي عليَّ ،
أنت التي سـاقوك قرباناً على مذبحي ، أنت التي ناوشـتْني عذاباتي بيدين من
لازورد ، أنت التي باركتِ خصب العفونة ، أنت التي باركتِ سيفي ، أنت التي
بللتِهِ بالدمعِ ، وأنا الذي حرباً على حرب البَسوسِ
أغمدت سيفي
أغمدت سيفي ،
وقلت :
لا تنتشلني من يدي فأنا الغريق ، خاطبت جمجمةً ، ضحكتُ
قالت كالذي مات :
لم لا تنتشلني ، أنا الذي أروي التراب ، ويرتويني ، أقتاتُ منه ويقتتيني ، متعايشيْنِ كالطيورِ الأليفةِ ،
مرةً : عينيَّ واسعتين ، قالَ ،
قلتُ : ألا تُحجّ
قالَ : لا ـ دودٌ يزوركِ ، تآكلي أرجوكِ وانقلبي ترابا .
فبكيتْ ، بكيتْ ، بكيتُ أنهاراً من العفن الأكيدِ ، فازدهر الدودُ القبريُّ والحشيشُ القديمُ والدولةُ الراقدةْ ، حَشْدٌ يموجُ :
ها
هي الأرض تنهضُ من براثنها ها هي الجمال تصافح مستقبلها، ها هي الطائراتُ
الجميلةُ تودعنا قبرنا الأصغرَ ، ها هي الحياة تغلق أبوابها وتقول وداعاً
، ها هي الجماجم العائليةُ تضحك ضحكتها المسرحيةَ ، ها هي الكلمات توحي
بالذي يُوحى ولا يُوحى ، وها هم القدامى يستعمرون الرأس الذي صاحْ :
افتح
قبورك ، شُقَّ صدرَ الأرضِ كالحبلى ، انفسحْ : أرفسْ ضحيتك الأخيرةَ ،
ومثل منتقمٍ عظيمٍ ، اشربْ دَمَهُ ، أرجوك أنْ تنخر عظامك مثل دودِ القبرِ
في العمل الرتيبْ ، وارقص كمجنونٍ عتيدْ ، واولمْ ولائم مثلها ما كان أو
ما لم يكن ، وادعُ محّبيكَ الجماجم يجلسون على موائد من ضحايانا ، وادْعُ
المزامير القديمة والتراتيل الحديثة .. ودّعْ مطار الأرضِ وارحلْ عن
جماجمنا التي استعرت من غيظها المكظومِ ، تبغي الدم المسفوح دوماً في
مطارحها ، وصحنا ( لا ندري نحن أمِ الجماجم ) :
لم نرتو ، ولم نشفِ الغليل ولم نقل :
سلاماً
على الذي ماتْ ، والذي سيموتْ ، ما عاد أحبابنا مثلما كانوا ، ولا رجَّعَ
الزمانُ صدى آهاتنا الحرّى على قومٍ قضوا نَحْبَهُمْ بين الجماجم ، ولم
نخن مواثيقنا مثل بني إسرائيل من أهلِ الكتاب ، وما قدسنا الأصاغرَ وفتات
الجماهيرَ ، وما عرَّجنا وبصقنا على وجوههم جزاء دفننا المتخلفِ ، وما
استَنْبَتْنَا المدائح النبويةَ لشخصه المبجلِ ، وما اعتلينا عروش الأنثى
كالزناةِ الجُلافِ ، غير أننا تباركنا بالذي :
بالذي
حام علينا كالرحى ، بالذي يخطف كالنسر بما نقتات ، بالذي وجّهَ قتلاه على
ذبح الفرائسْ ، والذي اقتات فُتَاتَ الخبزِ والقلب الرديءْ ، بالذي نافحَ
عن حكم العشائرْ يوم ما كنا فرادى وقبائِلْ ، كانت الأشياءُ تقعي بارتخاءْ
، والقرى كانت تزدهرُ بدولِ البدو والبابونج ، وتعانق الأفاعي المزدانة
بالبرجوازيينَ والسمَّ ، وتحيي الرجال الصائحين كصيحتي :
ـ لا تبتئسْ ، فأنا صديق القادمين من الخراب .
الرقة ـ حزيران 1984[/b]
الشاعر السوري عبد اللطيف خطاب مات في 20-10-2006 عن 47 عاماَ وهو من مواليد الرقة " التي على الفرات" 1959 كما كان يوقع في آخر قصائده.ترك
ديوانا وحيداً مطبوعاً بعنوان " زول أمير شرقي " الذي أصدرته دار رياض
نجيب الريس – 1990 ، وديوانان مخطوطان الأول" الغرنوق الدنف " الذي منعته
الرقابة السورية بعد أن أحالته الى القيادة القطرية التي أصدرت أمراً
بمنعه و " سفر الرمل ". الذي نشرت جزءاً منه مجلة نزوى العمانية.
طغيان رمل الموت
وقد أتخذ لنفسه الى جانب اسمه اسم " الغرنوق الدنف". كان أحد أبرز الاسماء
في جيل الثمانينات الشعري، فقد دون بصمة خاصة في المشهد الشعري السوري رغم
وجود ديوان وحيد مطبوع له ويندر أن تكتب دراسة عن الشعر السوري في حقبة
الثمانينات وما تلاها دون أن تتناول تجربة هذا الشاعر.
بعد
إنهاء دراسته الجامعية في جامعة حلب عام 1984 وتخرجه من كلية الاقتصاد قسم
ادارة الاعمال، عاد الى الرقة ليعمل محاسباً في مؤسسة الادوية (فارمكس )،
وظل يتردد على حلب ومقاهيها خلال حقبة التسعينات، لتتباعد هذه الزيارت بعد
ذلك.
كان
خلال حياته قارئا نهماً، وحجة بين أصدقائه في المسائل التراثية.. اشتهر
بمرحه بين الاصدقاء وبدهشته الطفولية اتجاه الاشياء.. عاني طوال حياته من
مرض تضيق الشرايين، وممنوعاً بحسب هذا من التدخين والمشروب وبذل أي جهد،
الى أن أجرى عملية قلب مفتوح في دمشق نجحت بشكل جيد واستطاع الزواج بعدها.
هذا الزواج الذي اثمر طفلة إسمها لين.
مات
عبداللطيف ليس بداء القلب بل تحت التخدير أثناء إجراء عملية جراحية في
المثانة في أحد مشافي دمشق . وسيوارى جثمانه في قريته تل السمن بالرقة حيث
ولد اليوم 20-10-2006
من نصوصه :
[b]تحيةً
لموالي الولاية ، لأدعياء الحكم الجمهوري ، للنسيبِ الشعريّ يكتبه أجدادنا
الجاهليون ، في أذهانهم ، للخط المهترئ المحفوظ في سجلاتهم المتداولة ،
كذلك لسلالات الرمل ، وموت " الحِمْري " ، ونبات الزعفران البري ، يمتشقه
الجاهليون لتبرئة حزاز الوجه .
إننا
نتجه إليك ، ونميم شطرانا صوبك ، يا رب الرمل ، ورب الصحراء ، ورب الأرباب
، يا من تستدل النعم كما تسدل العذارى ضفائرهن الانسيابية ، إليك يا رب
الأرباب هذا النشيد الموتي ، تتعاوره ذاكـرة الطفل الذي ما خلقته إلا
لتمجيد الفناء ، ورهبنَةِ الموت ، وإسدال المسح الجنائزيّ على الأوراق
المهشمة ، إليك النشيد ، النشيد ،
النائم
يغفو كالميْتِ ، هكذا رأته البصيرة ، ورشقت حصاها عليه لتغطيسهِ في حِمى
الرمل ، لتأليهه في مدى المسافة ، وتليينهِ للمسحةِ الكفنيةِ الأخيرةِ ،
لاحتضاره ضمن هَدْرِ الجموعِ ، وتنمية شـاهدته القبرية ، ترشُّ عليه
أرملتهُ الترابَ النديَّ ، وتَذبل أشواكه ، لكي تشرع ملذتها الدنيوية ،
واضعة في نسيانها الرجل الغريب الذي مَرَّ ، واحتضنته صخور الرمل العقيمة .
النشيدُ
الرمليُّ لقاعِ الحجرِ ، لأرض صَفْصَفٍ ، لطير البومِ ، لخرائبه الأرضية ،
للعجائز المكتهنات سر الحكايا ، وسر المغامرة الأولية ، لسيل ( قره موخ )
الفياض ، تنبحه الكلاب ، مجتنبة هياج الماء الأحمر الكدِرْ . هَلَّتْ سيول
الطغاة ، مزنرة بالقيود القلبية ، وسلاسل الأوردة ، رافضة شرايينها ،
وقفزت على أنشوطتها الواردة إلى خرائب البوم ، إلى أَكَمَةِ المسافة
العقيمة ، والبعدُ الذاكريُّ عن مرابع الإذْلالِ الطفوليّ ، وانهيار
انبهارات الروح ، قبال تورّم الأشياء ، وتكتل الاقتصاد الوحشي .
أمامكِ
يا ربة الروح ، تنحني الاهلالات إجلالاً ، وتغمسُ خبزها المسيحي في الخمرة
الضحلة ، وتتعشى على خبز الشعير القدسي للديانة المحمدية ، باذلة أحشاءها
لتأليهك ، لصونك اللانهائي أمام غزو الأسنة الحضارية ، واخترامِ النفس
كالغرابيل المائية ، وقلت ، وقلت أمامك يا ربةَ الروح ، نحتضر ونشهق
شهقتنا الاحتضارية .
هذه
العلامات الخبيئة ، دونتها لتمجيد الرمل ، لتمجيد ما لم تمجده النفس ،
وأقبعتها الكمائن الكثبانية ، لشل قدرة حبائل الطغيان ، لكن أحداً منا ما
كان يعاتب أشباحه ، أو يرائي سيادة الآلهة الاصطناعية ، وما أحداً منا كان
يلوث الرمل بيديه المائديتين ، غير أن التباشير جاءتنا بالإنذارات
التابوتية ، لحمل الأجنة على كف المواسم .
اهتدى
إلى المقابر ، والنفس قادته إلى الرمل ، وقادته إلى تباريح أشواقه
الجنائزية ، وربتت عـلى كتفيه ، وأسجت لنفسه أشـباح الرمل ، والكثيب لما
يقفز ، والملائكة على جنبيه تحاسبه على الكلام المباغت ، وحالفه صمته
الحجري ، ونادى النفس أن :
ـ اصمتي ،
فنحن في حضرة الروح .
فتحت
باب المراثي ، وما مجدتك المرائي ، وأثقلت نفسها بالمعاني النقيضة ، وما
برحت تشفي غليل الجنائز ، وما أسرتك بالعيارات الطليقة ،
فأنشأتَ مرثية للمراثي ، ونواحاً يتيماً لشدو اشباعات الكائن ، وشُدَتْ على شاهداتهم الرملية ، قبرك الرملي تقول ،
تقول المــراثي ، وما رثتـتك الروح فانبثق الرمل لتمجيد الأحــجار البابلية ، لشــدو الروح وتمجيــد الصخور.
ـ حلب / الرقة ـ نيسان 1982
من ديوان زول امير شرقي الصادر عن دار رياض نجيب الريس
تاريخ الجمجمة
الذي قال لي : كيفَ
هي الدولة المقبلة ؟ كيف حال الضحايا الأنيقين مثل الجلالةِ ؟ أما زالوا
حزانى علينا كالميتين القدامى ؟ أفي الوجوهِ الحديثةِ آثارنا ؟ والرمالُ
الأنيقة تسفونا كالرياحِ الخفيفةِ ، وَقْعُ أيدينا عليها ؟ وَقْعُ أسماعنا
المذأبَهْ ،
بغتةً :
استقبلتنا
الجماجمُ ، احتفتنا الجحافل مثل السيول التي تذبح الأرض ، وأنا الذي
رافقتني الأميراتُ المسناتُ ، وأنا الذي رافقتني أميراتُ الجماجمِ ، وأنا
الذي أصلحتُ وضع الأميرةِ على سدة العرشِ ، وأنا الذي باغتّها ضاحكاً
بالعبارات الرسوليهْ :
أنتِ
التي لا تنحنين إلا للفحولةِ ، أنت جمجمة نُحْتُ عليها مثل نوحي عليَّ ،
أنت التي سـاقوك قرباناً على مذبحي ، أنت التي ناوشـتْني عذاباتي بيدين من
لازورد ، أنت التي باركتِ خصب العفونة ، أنت التي باركتِ سيفي ، أنت التي
بللتِهِ بالدمعِ ، وأنا الذي حرباً على حرب البَسوسِ
أغمدت سيفي
أغمدت سيفي ،
وقلت :
لا تنتشلني من يدي فأنا الغريق ، خاطبت جمجمةً ، ضحكتُ
قالت كالذي مات :
لم لا تنتشلني ، أنا الذي أروي التراب ، ويرتويني ، أقتاتُ منه ويقتتيني ، متعايشيْنِ كالطيورِ الأليفةِ ،
مرةً : عينيَّ واسعتين ، قالَ ،
قلتُ : ألا تُحجّ
قالَ : لا ـ دودٌ يزوركِ ، تآكلي أرجوكِ وانقلبي ترابا .
فبكيتْ ، بكيتْ ، بكيتُ أنهاراً من العفن الأكيدِ ، فازدهر الدودُ القبريُّ والحشيشُ القديمُ والدولةُ الراقدةْ ، حَشْدٌ يموجُ :
ها
هي الأرض تنهضُ من براثنها ها هي الجمال تصافح مستقبلها، ها هي الطائراتُ
الجميلةُ تودعنا قبرنا الأصغرَ ، ها هي الحياة تغلق أبوابها وتقول وداعاً
، ها هي الجماجم العائليةُ تضحك ضحكتها المسرحيةَ ، ها هي الكلمات توحي
بالذي يُوحى ولا يُوحى ، وها هم القدامى يستعمرون الرأس الذي صاحْ :
افتح
قبورك ، شُقَّ صدرَ الأرضِ كالحبلى ، انفسحْ : أرفسْ ضحيتك الأخيرةَ ،
ومثل منتقمٍ عظيمٍ ، اشربْ دَمَهُ ، أرجوك أنْ تنخر عظامك مثل دودِ القبرِ
في العمل الرتيبْ ، وارقص كمجنونٍ عتيدْ ، واولمْ ولائم مثلها ما كان أو
ما لم يكن ، وادعُ محّبيكَ الجماجم يجلسون على موائد من ضحايانا ، وادْعُ
المزامير القديمة والتراتيل الحديثة .. ودّعْ مطار الأرضِ وارحلْ عن
جماجمنا التي استعرت من غيظها المكظومِ ، تبغي الدم المسفوح دوماً في
مطارحها ، وصحنا ( لا ندري نحن أمِ الجماجم ) :
لم نرتو ، ولم نشفِ الغليل ولم نقل :
سلاماً
على الذي ماتْ ، والذي سيموتْ ، ما عاد أحبابنا مثلما كانوا ، ولا رجَّعَ
الزمانُ صدى آهاتنا الحرّى على قومٍ قضوا نَحْبَهُمْ بين الجماجم ، ولم
نخن مواثيقنا مثل بني إسرائيل من أهلِ الكتاب ، وما قدسنا الأصاغرَ وفتات
الجماهيرَ ، وما عرَّجنا وبصقنا على وجوههم جزاء دفننا المتخلفِ ، وما
استَنْبَتْنَا المدائح النبويةَ لشخصه المبجلِ ، وما اعتلينا عروش الأنثى
كالزناةِ الجُلافِ ، غير أننا تباركنا بالذي :
بالذي
حام علينا كالرحى ، بالذي يخطف كالنسر بما نقتات ، بالذي وجّهَ قتلاه على
ذبح الفرائسْ ، والذي اقتات فُتَاتَ الخبزِ والقلب الرديءْ ، بالذي نافحَ
عن حكم العشائرْ يوم ما كنا فرادى وقبائِلْ ، كانت الأشياءُ تقعي بارتخاءْ
، والقرى كانت تزدهرُ بدولِ البدو والبابونج ، وتعانق الأفاعي المزدانة
بالبرجوازيينَ والسمَّ ، وتحيي الرجال الصائحين كصيحتي :
ـ لا تبتئسْ ، فأنا صديق القادمين من الخراب .
الرقة ـ حزيران 1984[/b]