[size=24]سفر ضوئي [/size]
عبد الحميد شوقي
ذات أصيل ربيعي هادئ قلت لصديقي الزجال الكبير ادريس مسناوي : أنت لا تكتب .. أنت تضيء ..
التقطت دموعه هذه الومضة المنفلتة وأشرقت مواجده بفائض من العواطف والسفر البعيد ..
رأيت في عينيه احتضانا للإشراق والتجليات الحكيمة .. كان في تلك اللحظة اشتعالا رصينا
وصمتا رواقيا وقدرة على اعتقال المستحيل ..
مع إدريس مسناوي فتح الزجل المغربي بوابات الأساطير وارتقى مدارج الشهوات
وعوالم البوح الموغلة في العبق الإنساني .. استطاعت الذات الشاعرة أن تتحرر
من الكهف الأفلاطوني .. من ظلال وأشباح الرأي وأوهام الحس المشترك ..
لتطال عالم الشمس والحقيقة والمثال .. عالم الخير والحق والجمال .. أصبحت حقيقة
النص الزجلي غير معطاة وغير جاهزة وغير موضوعية .. إنها الجدل الصاعد
المتمثل في معاناة الشاعر للانفلات من قبضة النموذج المجذوبي التاريخي
والنظم الملحوني وترديد شكاوى العوام من تغيرات الدهر ..
في لمسة شاعرية معتقة بالكرم الجمالي يأخذنا الزجال عبر سفر ضوئي ضارب في
القدم وحانٍ على زرقة الآتي .. من كلمة الأمومة في اللغة السومرية إلى
أسرار الطبيعة عند الإغريق ومكابدات الصوفية في العصر الوسيط وصولا
إلى إشراقات نيتشه .. نجد الشاعر مسافرا مثل ديوجين اللائرسي حاملا قنديله
يبحث عن لون الحقيقة والمستقبل والتعالي .. :
يا شبيهي ف الكتابة
إذا ضربت الخط
وخرجت لك الطريق الوسط
تعلاّ وعلى حد شوفتك حط
واعرفْ أنك مقبل على انتقال ...
هكذا يسحرنا عالم مسناوي الفائح برائحة الحياة .. النور .. الضوء .. الظلال ..
الانتقال .. السفر .. الحقيقة .. الشبيه .. الضد .. المحبة .. يضعنا على أراجيح
التأمل والمتعة والإشراق ..فقط من أجل غاية وحيدة وواحدة : الاحتفال
وكأننا في طقس ديونيزوسي صاخب ..
وجميعا نحتفل ونحن ندخل فواتح الجسد ونرقى مقام الطير .. جميعا نقول بلغة
الصمت الصاخبة :
شكرا أيها العازف ما سوف يأتي
من غناء الأساطير
في أناشيد الوقتِ ...
* ألقيت هذه الكلمة في افتتاح حفل توقيع إصداريْ الزجال الكبير إدريس مسناوي الذي نظمه النسيج الثقافي لمدينة تيفلت .