استلقت على عشب أحوى ، لعلها تلتقط من الدفء ما يجعلها تطمئن على أن الأديم الذي يضمها يسربل عليها غلالة الأمان بقية الربيع الذي تفتحت أزهاره ، ورقصت الفراشات باليها التي اعتادت أن ترقصها كل موسم الربيع
أحست بدغدغة نسمة تداعب غلالتها الحريرية ، وأن أناملها الرقيقة تمر بسحر على خدها ، نسمة نَعِسةً هبت لتحرك أهدابها الناعسة على الدوام ، عطر العشب انسل برفق إلى خيشومها يحمل ريح العنبر والمسك ، لم تقدر على مقاومة نسيمه ، فاستسلمت له طفلة استهواها دفء المهد .
ما كادت ترخي أستار هدبها ، حتى لمحت ركحا مزينا بأزهار و ورود ، قامت في انتصاب الخيزران رفعت يديها نحو الأعلى ، مدت ساقها اليمنى نحو الأمام واستدارت نصف دورة ثم أتمتها ، تمايلت يمنة ويسرة ، شكلت لجسدها مجرة في فضاء الركح ، رقصت رقصة البجع في رحلته ، فأحست بانطلاق الجسد إلى عالم شاسع لا حدود له .
على ضفاف نهر الحلم واليقظة ارتحقت من الأزهار والورود ما لذ لها من رحيقها ، سبحت ، داعبتها هبات النسيم ، أحست بأمان الدفء ، سمعت نبض القلب الذي هامت بين جرسه ، استهواها لحن تغريده ، فرأت روحها دمية تهمس لعريسها ، تبثه أحلامها ، وكان هو يناجيها بأحلامه التي سن سجلها منذ لقائهما الأول.
]تسللت ابتسامة خفية . تحدثت بها رموشها الناعسة ، استرقت السمع لحديثها ، وراحت في وسنة
تتدثر بنبض القلب الذي أحبته ، والدفء الذي افترشت من أجله جناحي قلبها لعلها تحتضنه وإلى الأبد .
]بغتة ، تسربت قشعريرة من العشب الأحوى ، اهتزت لها ، مررت راحتها على أديم العش برفق ، لما هذا الدفء استحال جبلا من الجليد ـ تساءلت في همس ـ ، ألصقت سمعها ، لم تعد تسترق للقلب نبضه ، هوت في غلواء على الركح ، كأنها بجعة قذفها تيار عتي بقطعة من جبل الجليد ذاك ، تسربلت من بياضه بغلالة ناصعة ، واستسلمت لنهر الدموع الذي انفجر سيلا عارما .