م ن ت د ى ال ع ش ر ة

أشرقت بحضوركم الأنوار وعمت الفرحة ارجاء الدار، داركم لانها بكم تكون الدار

منتدى العشرة يتمنى لكم مقاما طيبا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

م ن ت د ى ال ع ش ر ة

أشرقت بحضوركم الأنوار وعمت الفرحة ارجاء الدار، داركم لانها بكم تكون الدار

منتدى العشرة يتمنى لكم مقاما طيبا

م ن ت د ى ال ع ش ر ة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
م ن ت د ى ال ع ش ر ة

جمعية مغربية سوسيوثقافية 22 غشت 2007


2 مشترك

    أنت كالبحر

    محمد المختار زادني
    محمد المختار زادني
    ذ.باحث


    الجنس : ذكر
    عدد الرسائل : 8
    العمر : 70
    تاريخ التسجيل : 27/08/2010

    أنت كالبحر Empty أنت كالبحر

    مُساهمة من طرف محمد المختار زادني السبت 28 أغسطس - 13:52

    أقبلتْ مع ريح الخريف تحمل آخر ثمار التين و زنبقة صفراء تعلو خمارها الأسود، واقتحمت عليه كهفه المهجور من عهد غطت معالمه الأحزان. على محياها الطفولي ارتسمت مسحة كئيبة توحي بالغموض المطبق.
    تقدمت في تؤدة كالوجلة، وحيتْ بابتسامة ساحرة، ردّ تحيتها بصيغة المرحب وانصرف لبعض شأنه تاركا إياها مع بعض من أوصاهم أن يقوموا عنه بواجب الضيافة... ولما كان العيد الثاني، عرفت طريقها إلى كهفه وسط أدغال المسؤوليات، واعتادت سماع توجيهاته وأوامره اللطيفة التي قلما تخلو من الدعابة حين يكرر أمرا لأحد العاملين محذرا إياه من تبخر الذاكرة! كان كل العاملين يحبونه ويقدرون رقة شعوره وبساطة طبعه، وتواضعه المفرط، ويندهشون لغرابة أطواره تريبهم حيوية ذهنه المرحة و سحنة الكآبة التي لا تبرح قسامات وجهه إلا نادراً...
    لعلها شاطرت زملاءها الاستغراب فبدأت تحاول رصد تحركاته بمهارة فاقت حدود الحذر، فغدت تقترب خطوات معدودة من دهاليز نفسه و تعود أدراجها تحت جنح الغفلة ثم تتقدم كل مرة خطوة عن سابقتها؛ تستخبر جدران الكهف المبتلة المهملة ، والتخت الممدود بمكان خلوته بين الشموع حيث يجلس لأداء طقوسه، والرقاع القديمة المطوية الكتوم، عليها آثار كتابة باهتة النقوش ... حتى قرأت جل ما طالت يدها، وعرفت السبيل إلى تجاويف دماغه الفائر، فغاصت بين خيوط أعصابه باحثة عن شيء لايعرف كنهه إلاهي. فتحت لها الحجرات المرصودة يوم افترّ ثغرها عن كلمة السر التي حفظت تهاجيها من صوت الهزار الثرثار حين كان يبوح كل يوم بلحن في نشيد جديد. ومنذئذ لم يعد أحد يدري متى ولا كيف اختفت بخمارها الأسود في زرقة غياهب دواخله الرمادية دون أثر أو خبر...
    بالأمس قبيل الغروب، آوى إلى صدفة نسي التاريخ متى بنت نقوشها الحياة، ثم استقرت نظراته إلى قوقعة وشحتها الشمس ببرقع تتدرج ألوانه من البني الخفيف إلى تباين البياض الناصع. وضعها حذو أذنه – عملا بما يشاع من أن القواقع تروي أسرار الموج و تاريخ ميلاد البحر- تناهت لمسمعه وشوشات غير مفهومة ما لبثت أن اتخذت سببا لحديث عذب تلاشت فيه كل حواسه ، إذ همس الصوت المبحوح المنبعث من جوف القوقعة:
    « ... خلت يداك إلا من ذكراها ! هي التي نفخت في قلبك نبضة الأمل وأذكت في عقلك شعلة الحرية – تلك الكذبة التي رددت أناشيدها في صباك - . أتذْكر أول كلماتها العذبة حين أصابك الدّوار لسماعها؟ والتفاتتها الحلوة بوشاح الابتسامة الغريب وهو يتكشّف عن قوة وسحر أنسياك الحق والباطل؟ وحين حكت لك قصة " صبايا آسفي " ووصفت شغل معامل التصبير، نقلت لخيالك صورة الأصابع الرقيقة تدميها الأشواك ويؤلم الملح تفاريجها الذائبة... كانت كل حواسك تتداخل لتغرق في غور عميق فقد القرار أو هكذا كان إحساسك أمام أسلوبها الروائي، أسلوب قاص يتقن السرد والحبكة. بدأت تشفق عليها ثم غرقت في عشقها إلى حدّ الجنون... تشتاق لسماع همسها في كل لحظة، وكلما مر يوم من أيام ذاك الخريف الممطر، زادك خوفا عليها، على عينيها الساحرتين وجسدها الرشيق من لفحات الصقيع. كم كنت تـخشى سـماع جمـلتها المسحورة " سأذهب! " . هي وحدها كانت تعرف لماذا يجب أن تذهب، وحدها كانت تعرف متى وكيف تتلفظ بتلك العبارة التي تبعث فيك الشعور بقبضة ذاك اللغز تضغط على رقبتك بقوة مارد صبئ عن طاعة سليمان، فتعرّج على المقهى حيث تأوي إلى ركنك المعتاد وتسلم نفسك لدوامة التفكير اللا متناهي وأنت تحتسي الفنجان الذي يتعذر عليك تحسس طعمه فيزيد من شرودك ...
    تحول عشقك إلى خبر يجوب الحي ثم الأحياء المجاورة ثم سرى في كل الأرجاء سري النوم في الجسد المتعب، يجلب أحلاما لخيالك؛ جميلة ماتلبث أن تبتر خيطها لحظات اليقظة بألفاظ اللوم والتقريع ...
    مشيتما ساعة على شاطئ المحيط، إلى أن توقفتْ وأطلقت عنان بصرها نحو الشفق، بدت هادئة وديعة - مثلما هي دائما- في وقفتها المتأملة لذاك المنظر الجميل – وحدها كانت تتلذذ متعة المشهد - ، وبعد صمت طويل ألهب أعصابك قالتْ:" أنت كالبحر!.. البحر ملاذي... وأنت ملاذي ". دغدغت هذه الكلمات أنانيتك، وغمرتك حينها نشوة تغلغلت في أو صالك حتى لم يكد يسعك مكانك إلى جانبها وهي تستأنف : " ..أنت البحر !.. ولن أهرب منك إلا إليك ...لأنك قدري!" والتفتت صوبك بوشاح الابتسامة الخلاب لتسكب في عقلك قدحا أخرى – جرعة مسكرة – من خمرتها المعتقة.
    أتذْكر يوم خلوتكما في غابة السرو إذ عاهدت ألا تكون لغيرك؟ كان الفصل ربيعا ؛ الأرض في أبهى حللها مرصعة بزهور الجلنار و الأقحوان، أحاطت الفراشات بسرّكما ولأكثر ما حكت الأشجار عن عفتك يومها... وأنت تنشد:

    كنا بمجلسنـا نلـوذ بعفـة***كمعلمين تدارسـا وتناقشـا
    أسقى الهوى ومزاجه بسماتنا***وصبابتي تبري المدى بين الحشا

    أتذكر حين عاهدتْك؟ سألتها : " متى ذاك الوعد ؟ " فأجابت :" أواخر الصيف !" وارتسمت علامات الكآبة على محياها كسحابة صيف عبرت سريعة وعاودتك بالتفاتتها الحلوة تطبعها الابتسامة...
    كانت تكره سماع رنة هاتفك الجوال في جيبك، وظلت وحدها تعرف لماذا تكرهه مثلما ظلت وحدها تعرف لماذا يجب أن تذهب. وكم مرة دارت في عقلك تساؤلات متناقضة رفضتها وأقنعت نفسك بأن معشوقتك تملك مفتاح فردوسك المفقود، تحتفظ به تحت لسانها الضنين بما يجول في تجاويف عقلها الغامضة... حديثها المنتقي للألفاظ النفادة إلى أعماقك مازال يسمو بك لدنيا الآمال على جناح ثاني المستحيلات. بينما ظلت تختبر فيك كل شيء... كل شيء ... حتى ارتعاشة قلبك بين ضلوعك، حتى الأفكار التي تتداعى إلى خيالك.
    أتذكر ذاك اليوم من أول أسابيع "أيار" "مايو" إذ كنتما حيث اصطفت مقاهي "الرومانسيين" بمكان يعانق فيه النهر عرض المحيط، وخيام "نقّاشات الحناء" وقارئات أوراق الحظ – العرّافات- تطوّق البئر المحفوفة بعجائب العجائز؟ كان الوقت عصرا، وبدا المكان في حاله تلك شاعريا تحت خيوط وردية تغدقها شمس بدأت تتأهب في صفرتها لاستقبال الأصيل... وقفتْ ساعتئذ تتأمل الشفق البعيد ونسمات البحر تهدهد خمارها الأسود، وقالت: " الرجال مواقف. " فسألتها وكيف تجدينني بينهم ؟ فأجابت : " أنت وحدك !" . ورنّ الهاتف في جيبك فضغطت على زر من أزراره ضغطة كتمت صوته دون أن تبدي اهتماما بمصدر المكالمة. لكنها كانت قد غرقت في صمتها الطويل من جديد ... والتفتت إذ شعرت بفراغك لتقرئك في نظرتها الحلوة ما كان معناه " سأذهب!" استدرجت تحديك وجرأتك، استدرجت اللامنظور من كيانك حتى فوجئت بك وأنت تخرق المستحيل ... فتوقفت عن محاولات فهم ما يحدث، واكتفت بالرجوع إلى مذكراتك وإلى ما كتبت، تقرأ كل قصاصة وتعيد قراءتها مرارا حتى تحفظها عن ظهر قلب. حدث هذا بعد سفرك وانقطاع أخبارك عن أهل الحي . وأنت الآن خارج دائرة الاختبارات، بعيد عن مجال الاستدراج، خلت يداك إلا من ذكراها. ومازلت تسمع همستها العذبة : " أنت كالبحر! "»
    خفت الصوت الآتي من معزف الذكرى قبل أن تتكسر موجة حنون على صخرة كانت قريبا من مجلسه، تردت حبيبات الرذاذ على وجهه فامتزجت بدمعة كانت أغلى ما أنفق في يومه.
    محمد القصبي
    محمد القصبي
    شاعر


    الجنس : ذكر
    عدد الرسائل : 148
    العمر : 63
    المكان : القصر الكبير
    الهوايات : المطالعة الرسم.. ركوب الدراجة
    تاريخ التسجيل : 05/01/2008

    أنت كالبحر Empty رد: أنت كالبحر

    مُساهمة من طرف محمد القصبي الإثنين 3 يناير - 12:12

    للذاكرة سطوتها على تمثل احدي القصص البائدة في غياهبها اذ هي جزء من بصمتها الجينية التي بحضورها يتحقق التوازن النفسي و ملاءمته
    تجارب انما هي قصايا تمكننا من بعث الاحساس عبر لغة الحب عبر لغة المختلف عنا/ المؤتلف معنا وفق ما نستعلمه عمقا من تجليات وحدة الحس المشترك فطرة و سنة و نهجا تسم حضورنا في الحياة كاصحاب حق في الحب و تشابكاته
    اننا احياء نمارس الحق الطبيعي في تذوق لذة الحياة عبر بوابة المرأة التي هي الاثارة و الاغناء و الغواية و الغاية
    ممتعة منك مثل هذه التجارب ذات الظلال الوارفة

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 12 مايو - 4:44