C.vitae
سيرة النملة والصرصار
سيرة النملة والصرصار
مؤكد أني ولدت يوم 12 ربيع الأول فسميت الميلودي والباقي كله ظن، وإن كانت ذاكرة شيوخ الأسرة ، خاصة النساء، تضع هذه الواقعة بين 1947 و 1950، أنا الآن متقاعد، في إطار المغادرة الطوعية، بعد 39 سنة من العمل. بدأت التدريس معلما موقتا للفرنسية سنة 1966 ثم حصلت على باكالوريا آداب عصرية وتخرجت من مركز تكوين أساتذة السلك الأول فرنسية سنة 1974 ثم نلت إجازة في الفلسفة سنة 1975 ودبلوم الدراسات العليا سنة 1982 فالتحقت بكلية الآداب بمكناس كمدرس وفيها هيأت دكتوراه الدولة سنة 1990 ومنها خرجت متقاعدا سنة 2005 بوضعية أستاذ التعليم العالي. بين كل هذا وذاك تزوجت، 1966 ، ورزقت ببنتين، 1969 و1971 ، وولدين توأمين، 1973، فكبروا، بالطبع ،وتفرقوا في أنحاء الدنيا كما هو الشأن دائما بالنسبة للخلفة التي تكون طبيعية! والآن سأحدثكم عن أهم شيء أنجزته في حياتي، بعد الشهادات، والأولاد، والعمل: كتاباتي! لا، لا، لقد عشت، والله ما تركت فرصة حقيقية تمر بدون أن أستغلها، ولو تعلق الأمر فقط بفيلم أو قصيدة أو أغنية: إني من أنصار استغلال كل الإمكانات التي تمنحها الدنيا؛ الفائدة والمتعة في كل شيء، حتى في العمل، أي عمل ليس فيه فائدة، أو إفادة، ومتعة يؤدي إلى الشقاء، ولا أحب خرافة النملة والصرصار التي تجدون صيغتها الجديدة، تحته بالفرنسية، مع تعليق آمل أن ينال بعض اهتمامكم!
الكتابة : الحاجة والإكراهات
لا أكتب كل يوم لأني لست محترفا للكتابة ولأن الكاتب، في مثل بلدي، إذا كان يكتب بلغة غير اللغات العالمية، لا يمكنه أن يعيش، ولا أن يعيل، بالتفرغ للكتابة وحدها لكني حين يتقوى لدي الاستعداد، أو الحاجة، للكتابة أجد دائما الوسائل للتفرغ لها تفرغا شبه تام ولا أتركها إلا عندما يكون العمل قد اتخذ صيغة تقنعني بأني أستطيع أن أعود إليه مرة أخرى. لهذا أكتب العمل الواحد أكثر من مرة. ولهذا، ربما، يلعب ذا ك الوضع دورا في وثيرة النشر، فأنا لا أنشر كل ما أكتب، وإن كنت أحافظ على بعض الإيقاع لهذه الوثيرة، إني أعتقد أن الكاتب في الدول النامية لا ينبغي أن ينشر بسرعة تفوق معدل النمو الاقتصادي لبلده! لقد بدأت في النشر، على حسابي، سنة 1972 بمجموعة قصصية متواضعة، لكني بفضلها دخلت إلى اتحاد كتاب المغرب، عنوانها أشياء تتحرك ثم نشرت بعض القصص على صفحات الجرائد والمجلات المغربية قبل أن تصدر لي روايتان، الضلع والجزيرة 1980 ، ببيروت، في كتاب واحد وتتبعهما رواية ثالثة، الأبله والمنسية وياسمين، عن دار أخرى ببيروت، قابلها النقاد باحتفاء كبير، وكانت كلها قد كتبت قبل 1980 ثم جاءت ترجمتي لكتاب هنري بونكري، قيمة العلم 1982 ، وكتابي عن الوحدة والتعدد في الفكر العلمي الحديث، عن دار التنوير ببيروت كذلك، وكانت قد صدرت لي قبل هذا الأخير مجموعة قصصية، سفر الطاعة، عن اتحاد كتاب العرب بدمشق. وتوالت الروايات، مرورا بعين الفرس المقررة في برامج الثانوي، ومسالك الزيتون، وشجر الخلاطة، وخميل المضاجع، ونساء آل الرندي التي نالت جائزة الدولة للكتاب وحولت إلى فيلم تلفزي من ثلاث حلقات، والأناقة، وانتهاء بأريانة ثم المرأة والصبي، وقد جمعت الروايات، غير أريانة و المرأة والصبي ، من طرف وزارة الثقافة المغربية في ثلاثة مجلدات تحت عنوان الأعمال الروائية الكاملة كما ترجمت بعض هذه الروايات، جزءا أ وكلا، إضافة إلى بعض القصصا إلى الفرنسية والإسبانية والألمانية. لقد سمحت لي هذه الأعمال بأن أدعى إلى الكثير من الملتقيات وأن أسافر إلى بلدان كثيرة ما كنت لأزورها لولاها خاصة في الأوقات الصعبة ماديا: بهجة اللقاء والحديث مع كبار الكتاب واكتشاف مدن، وأماكن، جديدة قرأت عنها في الروايات فقط؛ واحدة من أكبر الجوائز التي تمنحها الكتابة لكاتب غير محترف، مازال في نفسي فقط شيء من السينما لكني حين كتبت سيناريو للتلفزيون أصبت بخيبة أمل بعد عرضه!
سيرة العقل والوجدان
1 ـ الأعمال المنشورة في كتب:
السرد:
- أشياء تتحرك: قصص, مطبعة طنان، البيضاء، 1972.
- الضلع والجزيرة: روايتان, دار الحدائق، بيروت، 1980.
- سفر الطاعة: قصص, اتحاد كتاب العرب، دمشق، 1981.
- الأبله والمنسية وياسمين: رواية, المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1982.
- عين الفرس: رواية, دار الأمان، الرباط، 1988.
- مسالك الزيتون: رواية, منشورات السفير، مكناس، 1990.
- شجر الخلاطة: رواية، المحمدية، مطبعة فضالة، المحمدية، 1995.
- خميل المضاجع: رواية، مطبعة فضالة، المحمدية، 1995، 152ص.
- نساء آل الرندي، مطبعة دار المناهل، الرباط، 2000،
- الأناقـة، دار الثقافة، البيضاء، 2001.
ـ أريانة، رواية، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء
ـ المرأة والصبي، رواية، دار الأمان، الرباط
الدراسات:
- الوحدة والتعدد في الفكر العلمي الحديث, دار التنوير، بيروت، 1984.
- المتخيل والقدسي في التصوف الإسلامي، منشورات المجلس البلدي، مكناس، 1991.
ـ تمجيد الذوق والوجدان، دار الثقافة، الدار البيضاء
- المعاصرة والمواطنة. مدخل إلى الوجدان، الرباط، منشورات الزمن، الرباط، 2000.
الترجمة:
- قيمة العلم / هنري بوانكاري, دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، 1982
2 ـ الأعمال الروائية الكاملة (بقلم الباحث عبد الرحيم العلام):
تواصل وزارة الثقافة المغربية مشروعها الطموح نشر الأعمال الكاملة للكتاب والأدباء المغاربة، وتحديدا على مستوى الشعر والقصة القصيرة والرواية، باعتبارها الأجناس الأدبية الأساسية التي تحقق داخلها تراكم وافر لدى الأدباء المغاربة، إلى حد الآن.
وأخيرا فقط، انضاف اسمان جديدان إلى قائمة الأدباء المغاربة الذين استفادت أعمالهم الروائية من هذه التجربة الناجحة مع «الأعمال الكاملة»، ويتعلق الأمر، هنا، بالروائيين الميلودي شغموم ومحمد عز الدين التازي، اللذين يعرفان كذلك بكتابة القصة القصيرة، وقد صدرت لهما في هذا الجنس الأدبي العديد من المجاميع القصصية. غير أن «الرواية» تبقى، إلى حد الآن، الأوفر حظا من القصة القصيرة، من حيث الاهتمام بجمع نصوصها في إطار «الأعمال الكاملة»، وإن حضرت القصة القصيرة في هذه السلسلة في تجربة سابقة مع القاص المغربي إدريس الخوري، وفي تجربة أسبق مع الأعمال القصصية الكاملة «ديوان السند باد» لأحمد بوزفور، الصادرة عن منشورات الرابطة.
صدرت الأعمال الروائية الكاملة للميلودي شغموم ومحمد عز الدين التازي في ثلاثة أجزاء تضم، بالنسبة لشغموم عشر روايات، هي: الضلع والجزيرة (روايتان) ـ الأبله والمنسية وياسمين ـ عين الفرس ـ مسالك الزيتون ـ شجر الخلاطة ـ خميل المضاجع ـ نساء آل الرندي ـ الأناقة ـ أريانة. الميلودي شغموم من الرعيل الأول من الكتاب المغاربة الذين طبعوا المشهد الأدبي بالمغرب بحضورهم وبكتاباتهم المجددة. تتعدد صوره ومستويات انشغالاته الثقافية والفكرية والأدبية والنقدية، بشكل يجعله كذلك واحدا من القلائل الذين عرفوا بكتاباتهم المؤثرة، وبأفكارهم الجريئة، وبدفاعهم المستميت عن البعد المغربي في الكتابة والإبداع والثقافة العربية. غير أنه من بين الصور التي يرتضيها شغموم لنفسه صورة ذلك الروائي الذي صاره، وهو ما تعكسه بالفعل الأعمال الروائية الكاملة الصادرة له أخيرا عن منشورات وزارة الثقافة(2005)، منها نصوص سبق نشرها خارج المغرب (في بيروت تحديدا)، في حين نشر معظمها بالمغرب، في إطار قناعة شخصية وتصور ذاتي للكاتب لمسألة النشر داخل المغرب.
تراكم روائي مهم، إذن، ذاك الذي عمل الميلودي شغموم على بنائه على امتداد أزيد من ثلاثة عقود من الزمن، ومن الكتابة والتفكير والإبداع، هو الذي يعرف كذلك بوفائه المنتظم في الكتابة والنشر، عدا مساهماته في مجال الترجمة وانشغاله بالبحث والدرس الجامعي والنقدي..
وتشغل الرواية الحيز الأكبر في تفكير الميلودي شغموم الإبداعي والنقدي، فحتى أبحاثه وآراؤه الفلسفية والتأملية والجمالية تجد صداها داخل رواياته، وخصوصا ما يتعلق منها بقضايا المقدس والتصوف والذوق والجمال.
لقد بدأ الميلودي شغموم الكتابة في سياق مناخ ثقافي وأدبي مشدود إلى روح التجديد والتجريب والمغامرة وتجاوز السائد، مستندا في ذلك كله إلى وعي نظري وفلسفي وفكري وأدبي ونقدي، يتأمل عبره الكاتب مسألة الإبداع وموضوعاته الإنسانية والجمالية.
فكما تتعدد في روايات شغموم أسئلة الواقع بتعقيداته المختلفة، تتعدد فيها كذلك أسئلة الكتابة والسرد، بما يوازيها من تنوع في مرجعيات الكتابة لدي الكاتب، انطلاقا من تنوع وكثافة مخزونه الثقافي وتعدد مصادره الفكرية والفلسفية، التراثية والحديثة، الأمر الذي يجعل عوالم رواياته مفتوحة دوما على العديد من اللحظات والصور والأسئلة التكوينية والدلالية، تلك التي يتداخل فيها الخيالي بالواقعي، والممكن بالمحتمل، والغر ائبي بالأسطوري والعجائبي، والصوفي بالتراثي والشعبي، والنفسي بالجمالي، بموازاة مع الدور الذي يمنحه الكاتب في رواياته على مستوى التشكيل والصور والتعبير والتكثيف والتجريد، فضلا عن الأهمية التي يضفيها الروائي كذلك على صيغ الحكي في رواياته، تلك التي تترواح بين الحكي الشعبي والحكي التراثي وتوظيف الأساليب الجديدة والحداثية، بما تخلقه جميعها من صنعة ولعب وإخصاب للغات الكتابة والسرد.
ومن شأن المتتبع لهذه التجربة الروائية، كما بلورها شغموم في أعماله الكاملة هاته، أن يلاحظ مدى التنوع الذي يميزها على مستوى الأشكال والتقنيات، كما على مستوى المضامين والدلالات، بمعنى أن شغموم، في كتاباته الروائية، كان بالأساس منشغلا بأسئلة الكتابة وبناء المتخيل وصيرورة الحكي بمثل انشغاله بأسئلة الإنسان والكينونة والوجود، بحيث تتميز رواياته، في هذا الإطار، بالعمق والتجذر في الأعماق البشرية وفي الأزمنة المؤطرة لها، منذ بدء الخليقة إلى ما بعد يومنا هذا، حيث تنفتح رواياته على الماضي، كما تستشرف المستقبل، ذاك الذي يتحدد في روايته «عين الفرس»، على سبيل المثال، في عام 2081، وكأن لجوء الكاتب في هذه الرواية إلى المستقبل هو بمثابة احتماء به من الماضي ومن الحاضر أيضا، حيث تعم الهزائم وتخيم الكوابيس والتشاؤم والأوهام، كما يظهر فيه الفرد فاقدا القدرة على التصالح حتى مع ذاته وكينونته، فبالأحرى مع واقعه والعالم الذي ينتمي إليه. وتبرز بعض جوانب اهتمام شغموم بالمغايرة والتجريب والتجديد في رواياته، للوهلة الأولى، من عناوين نصوصه، منذ أولى رواياته إلى آخرها، بمعنى أن لعبة العناوين في نصوصه سرعان ما تلقي بنا داخل فضاء متعدد من القراءات والتآويل، أخذا بعين الاعتبار، هنا، ما تخلقه هذه العناوين كذلك من التباس وتعتيم وتوتر ورمزية وتساؤلات وإيحاءات غير مباشرة، على مستوى التلقي الأولي والبعدي لرواياته، بحيث يصبح أحيانا من الصعوبة بمكان فك التباس تلك العناوين بسهولة من دون إخضاعها لعملية إعادة إنتاج النصوص وإدراك مضانها، الأمر الذي يتطلب من القارئ الكثير من الصبر والتوسل بالمزيد من المعرفة في فهم أولوياتها والكشف عن دلالاتها وأبعادها الرمزية والجمالية، كما هو الشأن أيضا بالنسبة لعناوين بعض فصول وأقسام رواياته، وهو ما جعل العديد من القراءات والدراسات التي تناولت روايات شغموم تفرد حيزا مهما في مفتتحها لمقاربة مسألة العنوان، بمعنى أن رواياته تفرض نفسها على القارئ والدارس في كليتها، أي منذ قراءة أغلفتها الخارجية.
كذلك يعتبر الميلودي شغموم من بين أهم الروائيين المغاربة الذين أولوا اهتماما لافتا ومفكرا فيه بقوة لمسألة «تسمية الشخوص والأمكنة» منذ أولى رواياته، وخصوصا في روايته «نساء آل الرندي». ففي هذه الرواية يبلغ الافتتان باللعب بالأسماء ذروته، بشكل يجعل القارئ أمام سجل حافل بالأسماء الدالة للشخوص والأمكنة والأزمنة، وبصورة تجعل هذه الرواية، كما هو الشأن بالنسبة لغيرها من روايات الكاتب الأخرى، مفتوحة على العديد من العوالم الرمزية والمفارقات الدلالية والاختيارات الجمالية، من حيث كون موضوع الأسماء فيها يحتل مكانة أساسية على مستوى ما تعكسه من أزمة هوية وانتماء، وتناقض اجتماعي وصراع ضد الاستلاب والقهر، مع ما يرتبط بذلك كله من تحول في المصائر وزيف في العلاقات.
عدل سابقا من قبل في الجمعة 11 يناير - 5:45 عدل 1 مرات